كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَقَدْ أَطْنَبَ السَّيِّدُ الْآلُوسِيُّ فِي رُوحِ الْمَعَانِي فِي تَوْجِيهِ كُلٍّ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ لِلْقِرَاءَتَيْنِ، وَتَحْوِيلِ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى، وَرَجَّحَ قَوْلَ أَهْلِ السُّنَّةِ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عَنِ الرِّوَايَةِ عَنِ الشِّيعَةِ فَقَالَ: بَقِيَ لَوْ قَالَ قَائِلٌ: لَا أَقْنَعُ بِهَذَا الْمِقْدَارِ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى غَسْلِ الْأَرْجُلِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، مَا لَمْ يَنْضَمَّ إِلَيْهَا مِنْ خَارِجٍ مَا يُقَوِّي تَطْبِيقَ أَهْلِ السُّنَّةِ؛ فَإِنَّ كَلَامَهُمْ وَكَلَامَ الْإِمَامِيَّةِ فِي ذَلِكَ، عَسَى أَنْ يَكُونَ فَرَسَيْ رِهَانٍ، قِيلَ لَهُ: «إِنَّ سُنَّةَ خَيْرِ الْوَرَى صلى الله عليه وسلم وَآثَارَ الْأَئِمَّةِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، شَاهِدَةٌ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ أَهْلُ السُّنَّةِ، وَهِيَ مِنْ طَرِيقِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ الْقَوْمِ فَقَدْ رَوَى الْعَيَّاشِيُّ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ الْقَدَمَيْنِ، فَقَالَ: تُغْسَلَانِ غَسْلًا».
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ النُّعْمَانِ عَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، قَالَ: إِذَا نَسِيتَ مَسْحَ رَأْسِكَ حَتَّى غَسَلْتَ رِجْلَيْكَ فَامْسَحْ رَأْسَكَ ثُمَّ اغْسِلْ رِجْلَيْكَ، وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَيْضًا الْكَلْبِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ الطُّوسِيُّ، بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَضْعِيفُهَا، وَلَا الْحَمْلُ عَلَى التَّقِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ شِيعِيٌّ خَاصٌّ.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللهُ تَعَالَى وَجْهَهُ، أَنَّهُ قَالَ: جَلَسْتُ أَتَوَضَّأُ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا غَسَلْتُ قَدَمَيَّ قَالَ: يَا عَلِيُّ خَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ. وَنَقَلَ الشَّرِيفُ الرَّضِيُّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ تَعَالَى وَجْهَهُ، فِي نَهْجِ الْبَلَاغَةِ، حِكَايَةَ وُضُوئِهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ فِيهِ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْآيَةِ كَمَا قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ، وَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ مِنْهُمُ النَّسْخَ لِيَتَكَلَّفَ لِإِثْبَاتِهِ كَمَا ظَنَّهُ مَنْ لَا وُقُوفَ لَهُ، وَمَا يَزْعُمُهُ الْإِمَامِيَّةُ مِنْ نِسْبَةِ الْمَسْحِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ- كَذِبٌ مُفْتَرًى عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ مَا رُوِيَ عَنْهُ بِطْرِيقٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ جَوَّزَ الْمَسْحَ، إِلَّا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ بِطَرِيقِ التَّعَجُّبِ: لَا نَجِدُ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى إِلَّا الْمَسْحَ، وَلَكِنَّهُمْ أَبَوْا إِلَّا الْغَسْلَ. وَمُرَادُهُ أَنَّ ظَاهِرَ الْكِتَابِ يُوجِبُ الْمَسْحَ عَلَى قِرَاءَةِ الْجَرِّ الَّتِي كَانَتْ قِرَاءَتَهُ، وَلَكِنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَفْعَلُوا إِلَّا الْغَسْلَ، فَفِي كَلَامِهِ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ قِرَاءَةَ الْجَرِّ مُؤَوَّلَةٌ مَتْرُوكَةُ الظَّاهِرِ بِعَمَلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، وَنِسْبَةُ جَوَازِ الْمَسْحِ إِلَى أَبِي الْعَالِيَةِ وَعِكْرِمَةَ وَالشَّعْبِيِّ زُورٌ وَبُهْتَانٌ أَيْضًا.
وَكَذَلِكَ نِسْبَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ، أَوِ التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمَا إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ، وَمِثْلُهُ نِسْبَةُ التَّخْيِيرِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ صَاحِبِ التَّارِيخِ الْكَبِيرِ وَالتَّفْسِيرِ الشَّهِيرِ، وَقَدْ نَشَرَ رُوَاةُ الشِّيعَةِ هَذِهِ الْأَكَاذِيبَ الْمُخْتَلَقَةَ، وَرَوَاهَا بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزِ الصَّحِيحَ وَالسَّقِيمَ مِنَ الْأَخْبَارِ بِلَا تَحَقُّقٍ وَلَا سَنَدٍ، وَاتَّسَعَ الْخَرْقُ عَلَى الرَّاقِعِ، وَلَعَلَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَرِيرٍ الْقَائِلَ بِالتَّخْيِيرِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ رُسْتُمَ الشِّيعِيُّ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ لِلْمُسْتَرْشِدِ فِي الْإِمَامَةِ، لَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ غَالِبٍ الطَّبَرِيُّ الشَّافِعِيُّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْلَامِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَالْمَذْكُورُ فِي تَفْسِيرِ هَذَا هُوَ الْغَسْلُ فَقَطْ، لَا الْمَسْحُ وَلَا الْجَمْعُ وَلَا التَّخْيِيرُ الَّذِي نَسَبَهُ الشِّيعَةُ إِلَيْهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي دَعْوَى الْمَسْحِ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ، كَرَّمَ اللهُ تَعَالَى وَجْهَهُ، أَنَّهُ مَسَحَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ، وَشَرِبَ فَضْلَ طَهُورِهِ قَائِمًا وَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّ الشُّرْبَ قَائِمًا لَا يَجُوزُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ. وَهَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي وُضُوءِ الْمُحْدِثِ، لَا فِي مُجَرَّدِ التَّنْظِيفِ بِمَسْحِ الْأَطْرَافِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَبَرِ مِنْ مَسْحِ الْمَغْسُولِ اتِّفَاقًا.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ، بِرِوَايَاتٍ ضَعِيفَةٍ، أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى قَدَمَيْهِ، فَهُوَ كَمَا قَالَ الْحُفَّاظُ: شَاذٌّ مُنْكَرٌ، لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ مَعَ احْتِمَالِ حَمْلِ الْقَدَمَيْنِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَوْ مَجَازًا، وَاحْتِمَالِ اشْتِبَاهِ الْقَدَمَيْنِ الْمُتَخَفِّفَيْنِ بِدُونِ الْمُتَخَفِّفَيْنِ مِنْ بَعِيدٍ. وَمِثْلُ ذَلِكَ عِنْدَ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى أَحْوَالِ الرُّوَاةِ، مَا رَوَاهُ الْحُسَيْنُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَهْوَازِيُّ، عَنْ فُضَالَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ غَالِبِ بْنِ هُذَيْلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ، فَقَالَ: هُوَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَا رُوِيَ عَنْ أَحَمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ، رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ، كَيْفَ هُوَ؟ فَوَضَعَ بِكَفَّيْهِ عَلَى الْأَصَابِعِ ثُمَّ مَسَحَهُمَا إِلَى الْكَعْبَيْنِ، فَقُلْتُ لَهُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ بِأُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ هَكَذَا إِلَى الْكَعْبَيْنِ، أَيُجْزِئُ؟ قَالَ: لَا إِلَّا بِكَفِّهِ كُلِّهَا. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا رَوَتْهُ الْإِمَامِيَّةُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَمَنْ وَقَفَ عَلَى أَحْوَالِ رُوَاتِهِمْ لَمْ يُعَوِّلْ عَلَى خَبَرٍ مِنْ أَخْبَارِهِمْ، وَقَدْ ذَكَرْنَا نُبْذَةً مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا «النَّفَحَاتُ الْقُدُسِيَّةُ فِي رَدِّ الْإِمَامِيَّةِ» عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ: لَوْ فُرِضَ أَنَّ حُكْمَ اللهِ تعالى الْمَسْحُ عَلَى مَا يَزْعُمُهُ الْإِمَامِيَّةُ مِنَ الْآيَةِ فَالْغَسْلُ يَكْفِي عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ هُوَ الْغَسْلَ لَا يَكْفِي الْمَسْحُ عَنْهُ، فَبِالْغَسْلِ يَلْزَمُ الْخُرُوجُ عَنِ الْعُهْدَةِ بِيَقِينٍ دُونَ الْمَسْحِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَسْلَ مُحَصِّلٌ لِمَقْصُودِ الْمَسْحِ مِنْ وُصُولِ الْبَلَلِ وَزِيَادَةٍ، وَهَذَا مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِأَنَّهُ مَسْحٌ وَزِيَادَةٌ، فَلَا يَرُدُّ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ مُتَضَادَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ؛ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ، وَأَيْضًا كَانَ يَلْزَمُ الشِّيعَةَ الْغَسْلُ؛ لِأَنَّهُ الْأَنْسَبُ بِالْوَجْهِ الْمَعْقُولِ مِنَ الْوُضُوءِ، وَهُوَ التَّنْظِيفُ لِلْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْأَرْبَابِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ أَيْضًا لِكَوْنِ سَنَدِهِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لِلْفَرِيقَيْنِ، كَمَا سَمِعْتَ، دُونَ الْمَسْحِ؛ لِلِاخْتِلَافِ فِي سَنَدِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: «قَدْ يَلْزَمُهُمْ بِنَاءً عَلَى قَوَاعِدِهِمْ، أَنْ يُجَوِّزُوا الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ، وَلَا يَقْتَصِرُوا عَلَى الْمَسْحِ فَقَطْ» انْتَهَى كَلَامُ الْآَلُوسِيُّ.
أَقُولُ: إِنَّ فِي كَلَامِهِ- عَفَا اللهُ عَنْهُ- تَحَامُلًا عَلَى الشِّيعَةِ وَتَكْذِيبًا لَهُمْ فِي نَقْلٍ وُجِدَ مِثْلُهُ فِي كُتُبِ أَهْلِ السُّنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى تَفْسِيرِ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَقَدْ نَقَلْنَا بَعْضَ رِوَايَاتِهِ وَنَصَّ عِبَارَاتِهِ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُ آنِفًا.
وَصَفْوَةُ الْقَوْلِ فِي مَسْأَلَةِ فَرْضِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ يَتَّضِحُ بِأُمُورٍ:
(1) أَنَّ ظَاهِرَ قِرَاءَةِ النَّصْبِ وُجُوبُ الْغَسْلِ، وَظَاهِرَ قِرَاءَةِ الْجَرِّ وُجُوبُ الْمَسْحِ.
(2) أَنَّ مَجَالَ النَّحْوِ وَاسْعٌ لِمَنْ أَرَادَ رَدَّ كُلِّ قِرَاءَةٍ مِنْهُمَا إِلَى الْأُخْرَى، وَرُبَّمَا كَانَ رَدُّ النَّصْبِ إِلَى الْجَرِّ أَوْجَهَ فِي فَنِّ الْإِعْرَابِ، وَكَذَلِكَ مَجَالُ التَّجَوُّزِ؛ كَقَوْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ: «إِنَّ الْمُرَادَ بِمَسْحِ الرِّجْلَيْنِ غَسْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَسْحِ عَلَى الْوُضُوءِ» وَهُوَ تَكَلُّفٌ ظَاهِرٌ، وَأَقْوَى الْحُجَجِ اللَّفْظِيَّةِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى الْإِمَامِيَّةِ جَعْلُ الْكَعْبَيْنِ غَايَةَ طَهَارَةِ الرِّجْلَيْنِ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِاسْتِيعَابِهِمَا بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّ الْكَعْبَيْنِ هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ فِي جَانِبَيِ الرِّجْلِ، وَالْإِمَامِيَّةُ يَمْسَحُونَ ظَاهِرَ الْقَدَمِ إِلَى مَعْقِدِ الشِّرَاكِ، عِنْدَ الْمِفْصَلِ بَيْنَ السَّاقِ وَالْقَدَمِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ هُوَ الْكَعْبُ. فَفِي الرِّجْلِ كَعْبٌ وَاحِدٌ عَلَى رَأْيِهِمْ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا لَقَالَ إِلَى الْكِعَابِ؛ كَمَا قَالَ فِي الْيَدَيْنِ إِلَى الْمَرَافِقِ؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ يَدٍ مِرْفَقًا وَاحِدًا.
(3) أَنَّ الْقَوْلَ بِكُلٍّ مِنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ مَرْوِيٌّ عَنِ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ بِالْغَسْلِ أَعَمُّ وَأَكْثَرُ، وَهُوَ الَّذِي غَلَبَ وَاسْتَمَرَّ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرُهُ، إِلَّا مَسْحُ الْخُفَّيْنِ.
(4) أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ جَوَازِ الْغَسْلِ أَبْعَدُ عَنِ النَّقْلِ وَالْعَقْلِ مِنَ الْقَوْلِ بِعَدَمِ جَوَازِ الْمَسْحِ، وَإِنْ رُوِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا، أَمَّا النَّقْلُ فَلِأَنَّهُ ظَاهِرُ قِرَاءَةِ النَّصْبِ، وَلِصِحَّةِ الرِّوَايَاتِ فِيهِ، وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّ الْغَسْلَ هُوَ الَّذِي تَحْصُلُ بِهِ الطَّهَارَةُ، أَيِ الْمُبَالَغَةُ فِي النَّظَافَةِ الَّتِي شُرِعَ الْوُضُوءُ وَالْغَسْلُ لِأَجْلِهَا، كَمَا هُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْآيَةِ نَفْسِهَا، وَلِأَنَّ الْمَسْحَ قَدْ يَدْخُلُ فِي الْغَسْلِ دُونَ الْعَكْسِ.
(5) إِذَا قِيلَ: إِنَّ الْقِرَاءَتَيْنِ مُتَعَارِضَتَانِ، وَالسُّنَنَ مُتَعَارِضَةٌ أَيْضًا، نَقُولُ: إِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةَ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمُتَعَارِضَيْنِ يُقَدَّمُ عَلَى تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَالْجَمْعُ هُنَا مُمْكِنٌ بِمَا قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَهُوَ الْمَسْحُ فِي أَثْنَاءِ الْغَسْلِ؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ هُوَ إِمْرَارُ مَا يُمْسَحُ بِهِ عَلَى مَا يَمْسَحُ وَإِلْصَاقُهُ بِهِ، وَصَبُّ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ، بَلْ يَتَحَقَّقُ بِهِ، وَالْآيَةُ لَمْ تَقُلْ: امْسَحُوا أَرْجُلَكُمْ بِالْمَاءِ وَلَا رُءُوسَكُمْ، وَالْأَمْرُ بِمُطْلَقِ الْمَسْحِ أَمْرٌ بِإِمْرَارِ الْيَدِ بِغَيْرِ مَاءٍ؛ كَمَسْحِ رَأْسِ الْيَتِيمِ، وَلَكِنْ لَمَّا قَالَ: وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ فِي سِيَاقِ الْوُضُوءِ عُلِمَ بِالْقَرِينَةِ وَبِبَاءِ الْإِلْصَاقِ، أَنَّ ذَلِكَ يَحْصُلُ بِبَلِّ الْيَدِ بِالْمَاءِ وَمَسْحِهَا بِالرَّأْسِ، وَلَمَّا قَالَ: وَأَرْجُلَكُمْ بِالنَّصْبِ وَالْجَرِّ، وَلَمْ يَقُلْ: وَبِأَرْجُلِكُمْ، كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُغْسَلَ الرِّجْلَانِ وَيُمْسَحَا فِي أَثْنَاءِ الْغَسْلِ بِإِدَارَةِ الْيَدِ عَلَيْهِمَا، وَإِلَّا كَانَ أَمْرًا بِإِمْرَارِ الْيَدِ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ الْمَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ.
(6) إِذَا أَمْكَنَ الْمِرَاءُ فِيمَا قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُمَارِيَ أَحَدٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ بِالْبَدْءِ بِالْأَوَّلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقُولُ بِهِ مُوجِبُو الْمَسْحِ، وَالتَّثْنِيَةِ بِالْغَسْلِ الْمَعْرُوفِ.
(7) لَا يُعْقَلُ لِإِيجَابِ مَسْحِ ظَاهِرِ الْقَدَمِ بِالْيَدِ الْمُبَلَّلَةِ بِالْمَاءِ حِكْمَةٌ، بَلْ هُوَ خِلَافُ حِكْمَةِ الْوُضُوءِ؛ لِأَنَّ طُرُوءَ الرُّطُوبَةِ الْقَلِيلَةِ عَلَى الْعُضْوِ الَّذِي عَلَيْهِ غُبَارٌ، أَوْ وَسَخٌ يَزِيدُ وَسَاخَتَهُ وَيَنَالُ الْيَدَ الْمَاسِحَةَ حَظٌّ مِنْ هَذِهِ الْوَسَاخَةِ، وَلَوْلَا فِتْنَةُ الْمَذَاهِبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَمَا تَشَعَّبَ هَذَا الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا؛ كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ.
الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا: وَرَدَ فِي الْمَسْحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا بَيْنَ الْمُحَدِّثِينَ، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: «وَقَدْ رَوَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ مِنَ الصَّحَابَةِ» قَالَ الْحَسَنُ: «حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ» أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِّي: «وَقَدْ صَرَّحَ جَمْعٌ مِنَ الْحُفَّاظِ بِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُتَوَاتِرٌ، وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ رُوَاتَهُ فَجَاوَزُوا الثَّمَانِينَ، مِنْهُمُ الْعَشْرَةُ». وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنِ الصَّحَابَةِ اخْتِلَافٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْهُمْ إِنْكَارُهُ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ إِثْبَاتُهُ.
وَأَقْوَى الْأَحَادِيثِ حُجَّةً فِيهِ، حَدِيثُ جَرِيرٍ، فَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ: «أَنَّهُ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقِيلَ لَهُ: تَفْعَلُ هَكَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: فَقَالَ جَرِيرٌ لَمَّا سُئِلَ: هَلْ كَانَ هَذَا قَبْلَ الْمَائِدَةِ أَوْ بَعْدَهَا؟: «مَا أَسْلَمْتُ إِلَّا بَعْدَ الْمَائِدَةِ» وَفِي التِّرْمِذِيَّ مِثْلُ هَذَا، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: «هَذَا حَدِيثٌ مُفَسِّرٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ مَنْ أَنْكَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ تَأَوَّلَ مَسْحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْوُضُوءِ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ؛ فَيَكُونُ مَنْسُوخًا» انْتَهَى. وَمِثْلُهُ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ، وَسَيَأْتِي.
وَهَذَا التَّأَوُّلُ هُوَ سَبَبُ إِنْكَارِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ لِلْمَسْحِ بَعْدَ الْمَائِدَةِ. وَكَأَنَّهُ لَمَّا اسْتَفَاضَ بَيْنَهُمُ النَّقْلُ عَنْ مِثْلِ جَرِيرٍ وَالْمُغِيرَةِ رَجَعُوا عَنِ الْإِنْكَارِ، وَمَا رُوِيَ فِي الْإِنْكَارِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ لَا يَصِحُّ، بَلْ صَحَّ الْمَسْحُ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ: وَأَمَّا الْقِصَّةُ الَّتِي سَاقَهَا الْأَمِيرُ الْحُسَيْنُ فِي الشِّفَاءِ، وَفِيهَا الْمُرَاجَعَةُ الطَّوِيلَةُ بَيْنَ عَلِيٍّ وَعُمَرَ، وَاسْتِشْهَادِ عَلِيٍّ لِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَشَهِدُوا بِأَنَّ الْمَسْحَ كَانَ قَبْلَ الْمَائِدَةِ فَقَالَ ابْنُ بَهْرَانَ، مِنْ عُلَمَاءِ الشِّيعَةِ الزَّيْدِيَّةِ: «لَمْ أَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَيَدُلُّ لِعَدَمِ صِحَّتِهَا عِنْدَ أَئِمَّتِنَا أَنَّ الْإِمَامَ الْمَهْدِيَّ نَسَبَ الْقَوْلَ بِمَسْحِ الْخُفَّيْنِ فِي الْبَحْرِ إِلَى عَلِيٍّ، عَلَيْهِ السَّلَامُ» انْتَهَى.
وَنَقُولُ: هَبْ أَنَّهَا صَحَّتْ، أَلَيْسَ قُصَارَاهَا إِثْبَاتَ الْمَسْحِ قَبْلَ الْمَائِدَةِ، وَنَفْيَهُ بَعْدَهَا بِطَرِيقِ اللُّزُومِ أَوِ النَّصِّ؟ أَوَلَيْسَ مِنَ الْقَوَاعِدِ أَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي؟ بَلَى، وَالصَّوَابُ أَنَّ النَّقْلَ الثَّابِتَ الْمُتَوَاتِرَ عَنِ الصَّحَابَةِ هُوَ الْمَسْحُ، وَأَنَّ مَا رُوِيَ خِلَافُهُ لَا يُعَارِضُهُ، وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ سَبَبَهُ، إِمَّا عَدَمُ رُؤْيَةِ الْمَسْحِ، وَإِمَّا ظَنُّ أَنَّهُ قَدْ نُسِخَ، ثُمَّ عَرَفَ جُمْهُورُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ، وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلُ.
وَأَمَّا فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ وَعُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ فَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْهُمْ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ.
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: «لَا أَعْلَمُ مَنْ رَوَى عَنْ أَحَدٍ مِنْ فُقَهَاءِ السَّلَفِ إِنْكَارَهُ إِلَّا عَنْ مَالِكٍ، مَعَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ مُصَرِّحَةٌ عَنْهُ بِإِثْبَاتِهِ» انْتَهَى.
وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ الْحَفِيدُ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ، فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ مَسَائِلِ الْمَسْحِ: فَأَمَّا الْجَوَازُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ جَائِزٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي: جَوَازُهُ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: مَنْعُ جَوَازِهِ بِإِطْلَاقٍ، وَهُوَ أَشَذُّهَا، وَالْأَقَاوِيلُ الثَّلَاثَةُ مَرْوِيَّةٌ عَنِ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَعَنْ مَالِكٍ، وَالسَّبَبُ فِي اخْتِلَافِهِمْ مَا يُظَنُّ مِنْ مُعَارَضَةِ آيَةِ الْوُضُوءِ الْوَارِدَةِ فِي الْأَمْرِ بِغَسْلِ الْأَرْجُلِ لِلْآثَارِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْمَسْحِ، مَعَ تَأَخُّرِ آيَةِ الْوُضُوءِ، وَهَذَا الْخِلَافُ كَانَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ؛ فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ آيَةَ الْوُضُوءِ نَاسِخَةٌ لِتِلْكَ الْآثَارِ، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِهِ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ: «أَنَّهُ كَانَ يُعْجِبُهُمْ حَدِيثُ جَرِيرٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ رَوَى أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، فَقَالَ: مَا أَسْلَمْتُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ». وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِهِ: لَيْسَ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْآثَارِ تَعَارُضٌ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ مُتَوَجِّهٌ إِلَى مَنْ لَا خُفَّ لَهُ، وَالرُّخْصَةُ إِنَّمَا هِيَ لِلَابِسِ الْخُفِّ، وَقِيلَ: إِنَّ تَأْوِيلَ قِرَاءَةِ الْأَرْجُلِ بِالْخَفْضِ، هُوَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، فَلِأَنَّ أَكْثَرَ الْآثَارِ الصِّحَاحِ الْوَارِدَةِ فِي مَسْحِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا كَانَتْ فِي السَّفَرِ، مَعَ أَنَّ السَّفَرَ مُشْعِرٌ بِالرُّخْصَةِ وَالتَّخْفِيفَ، وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ هُوَ مِنْ بَابِ التَّخْفِيفِ؛ فَإِنَّ نَزْعَهُ مِمَّا يَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِانْتَهَى كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ.